يعرف الجميع أن للإنسان جهازاً عصبياً معقداً، يتكون من دماغ وحبل شوكي وأعصاب. وأن الدماغ يوجد داخل الجمجمة ويتكون من ملايين الخلايا العصبية وهو عضو معقد التركيب، يقوم بوظائف ومهام عدة، ويحتوي على مراكز البصر، والسمع، والكلام، ومراكز العمليات العقلية العليا كالذكاء، والإرادة، والذاكرة.
ولن أتطرق في هذه العجالة إلى تركيب الدماغ ووظائفه، لكنني سأقتصر على تركيب ووظائف دماغين آخرين تم اكتشافهما مؤخراً، إنهما الدماغ الثاني ودماغ القلب!
الدماغ الثاني:
لماذا يشعر الإنسان أحياناً باضطراب في جهازه الهضمي كأن يشعر بألم في بطنه أو يصاب بالإسهال عند القدوم بعمل ما كفحص السياقة أو امتحان الثانوية العامة مثلاً؟
اكتشف العلماء مؤخراً جهازاً عصبياً خاصاً بالجهاز الهضمي أطلق عليه الدماغ الثاني “ Second Brain” يتألف من حوالي 100 مليون خلية عصبية على شكل شبكة تتحكم في أغلب الوظائف الهضمية. يقوم هذا الجهاز "العصبي المعوي" بممارسة أنشطته بصورة مستقلة عن الجهاز العصبي المركزي، وأصبح هذا الدماغ مجالاً خصباً للأبحاث العلمية، وظهر فرع علمي مستقل هو طب أعصاب الجهاز الهضمي والذي كشف أن الدماغ الثاني يتسبب في حدوث متلازمة القولون العصبي، وهي حالة مرضية تصيب أكثر من 20% من سكان البلدان الصناعية، ويعاني المصابون بهذا المرض من اسهال أو إمساك مزمن!
يقوم الدماغ الثاني بوظائف عدة، فهو مسؤول عن ضبط عملية الهضم، ويعمل مع جهاز المناعة على حمايتنا من البكتيريا الممرضة، وينسق مع الجهاز العصبي في بعض الانعكاسات كالحزن أو السعادة واتخاذ قرارات نهائية لموضوع ما.
والسؤال الآن: هل يوجد دماغ آخر في جسم الإنسان؟
دماغ القلب: صدرت في الآونة الأخيرة أبحاث وكتب تتحدث عن دماغ في قلب الإنسان يتكون من حوالي 40 ألف خلية عصبية (عصبون)، مما أدى إلى تغيير الكثير من المفاهيم والأفكار عن القلب.
فقد صرح الدكتور فخري العكور رئيس قسم القلب في مستشفى البشير في الأردن أن القلب ليس مجرد مضخة للدم وإنما هو جهاز مستقل متكامل، يتعاون مع الجهاز العصبي الرئيس في جسم الإنسان عن طريق دماغ خاص به، والغريب في الأمر أن دماغ القلب يرسل أوامر إلى الدماغ أكثر مما يتلقى القلب أوامر من الدماغ، وأن المجال الكهربائي للقلب يزيد 60 مرة عن المجال الكهربائي للدماغ، وأن المجال المغناطيسي للقلب أكبر من المجال المغناطيسي للدماغ ب 5000 مرة.
لقد وصل حديثاً كتاب بعنوان "شيفرة القلب" The Heart’s Code لمؤلفه الطبيب النفسي “ Dr. Paul Pearsall” وعرضته قناة الجزيرة الوثائقية، حيث درس المؤلف ظاهرة تغيير الحالة النفسية لعينة كبيرة من المرضى الذين تم نقل وزراعة قلوب لهم وكانت نتيجة الدراسة أن دماغ القلب به ذاكرة خاصة تخزن العواطف والانفعالات والأحداث التي يمر بها الإنسان في حياته الاعتيادية، الأمر الذي يفسر شعور المرضى الذين أجريت لهم زراعة قلوب بشرية بوجود مشاعر غريبة تنتابهم من حين لآخر، تبين أنها تعود لحياة المتبرع كالميل لأطعمة وهوايات لم يعتادوا عليها ولم يمارسوها من قبل.
ومن الأمثلة الحية التي ساقها كتاب شيفرة القلب:
_ أن أحدهم أصبح يهتم بالرياضة رغم كرهه الشديد لها، وتبين أن صاحب القلب المتبرع كان مغرماً بالرياضة.
_ وآخر شرع في تسلق الجبال رغم خوفه سابقاً من مجرد الصعود إلى الأماكن العالية.
_ وآخر بدأ بالكتابة بشغف ودون توقف رغم تعثره سابقاً.
ان هذه الدراسات والاكتشافات العلمية تؤكد وتفسر ما جاء عن القلب في القرآن الكريم، حيث جاءت الإشارة إلى القلب بالإفراد والجمع ومع عدد من الضمائر المختلفة 132 مرة، تؤكد على أدوار أخرى للقلب غير ضخ الدم، منها أن القلب يكسب الأعمال خيرها وشرها، وهو مكان الاطمئنان والأمن أو الانزعاج والخوف والرعب، وهو محل الشهادة أو انكارها، ومحل الخير أو الاثم ومحل الهداية أو الزيغ، ومحل الفهم والفقه، أو سوء الفهم واللبس.
والحقيقة أن هذه الآيات لا يلتفت إليها إلا المتدبر لقراءة القرآن و سأتركك عزيزي القاريء مع بعض الآيات التي ذكر فيها القلب للتدبر دون تعليق.
*
*
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون (البقرة.-10)
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة (البقرة-74)
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام(البقرة-204)
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب (آل عمران-8)
وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون (آل عمران- 167)
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ( المائدة -41)
ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الاولين (الأنعام-25)
يا أيها النبي قل لمن في ايديكم من الأسرى أن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراُ مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (الأنفال-70)
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون (الأنفال-2)
يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤوا ان الله مخرج ما تحذرون (التوبة-64)
ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب (الحج-32)
إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (الأحزاب -10)
وإذا ذكر الله وحده اشمازت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون (الزمر-45)
وبعد التدبر، هل يعقل أن يكون هذا كلام بشر؟ يقول عليه السلام في حديث مطول" ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"
0 التعليقات:
إرسال تعليق